هو يزيد بن مقسم؛ و ضبّة اسم أمّه غلبت على نسبه فعرف بها دون أبيه. و سبب ذلك أن مقسما مات و ترك ابنه يزيد صغيرا،
فكانت ضبّة تحضن أولاد المغيرة بن شعبة الثقفي في الطائف ثم كانت تحضن أولاد ابنه عروة بن المغيرة، و هكذا أصبحت نسبة
يزيد بن مقسم: يزيد بن ضبّة الثقفيّ.
و يزيد بن ضبّة هذا مولى، و لعلّ أباه مقسما-لا أمّه ضبّه-لم يكن عربيّا. و لعلّ يزيد هذا كان غير عربي من جهة أبيه و أمّه معا.
و لقد كان ولاؤه في ثقيف لبني مالك بن حطيط ثم لبني عامر بن يسار.
انتقل يزيد بن ضبّة من الطائف إلى الشام ثم اتّصل بالوليد بن يزيد و صحبه منذ أيام أبيه يزيد بن عبد الملك بن مروان (101-105 ه) ،
ولم يكن يفارقه.
فلمّا أفضت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك، سنة 105 ه(724 م) ، وفد يزيد بن ضبّة عليه مهنئا بالخلافة و أراد أن ينشده قصيدة يمدحه بها.
فلم يقبل هشام منه و قال له: «عليك بالوليد فامدحه و أنشده. ثم أمر هشام بإخراج يزيد بن ضبّة من حضرته.
علم الوليد بذلك فبعث إلى يزيد بن ضبّة بخمسمائة دينار و أشار عليه بأن يترك الشام و يعود إلى الطائف و يعيش فيها على أموال له (للوليد) ،
خوفا من أن يذكره هشام مرّة ثم يأمر بسجنه أو قتله. و قد بقي يزيد بن ضبّة في الطائف مدّة خلافة هشام كلّها (105-125 ه) .
و لمّا مات هشام و بويع الوليد بن يزيد بالخلافة، سنة 125 ه(743 م) ، أقبل يزيد بن ضبّة من الطائف إلى الشام فقرّبه الوليد و أحسن اليه.
غير أن الوليد بن يزيد لم يعش في الخلافة إلاّ نحو ثلاثة أشهر (1)، و لا نعلم شيئا من حال يزيد بن ضبّة بعد ذلك. و لكن بما أن يزيد بن ضبّة
كان شاعرا قديما في بني أميّة عرف عبد الملك و عرف أول الخلفاء (2) معاوية، كما نلمح في قصيدته التي قالها بعد حادثته مع هشام، فان
من المحتمل ألاّ تكون الحياة قد امتدّت به إلى ما بعد سنة 130 ه(747-748 م) .
يزيد بن ضبّة الثقفي شاعر مولّد وجداني فصيح الالفاظ سهل التراكيب، قال الاصفهاني (غ 7:103) : «كان يزيد بن ضبّة مولى ثقيف، و لكنّه
كان فصيحا. . . و كان يطلب القوافي المعتاصة و الحوشيّ من الشعر (3)» . فاذا نحن تأمّلنا شعر يزيد بن ضبّة وجدنا أن شعره في الطرد بدوي
كثير الغريب، و هذا راجع إلى طبيعة الطرديّات (القصائد التي تصف الصيد خاصة و أنواع الحيوان عامّة) . أما شعره الوجداني في المديح و العتاب
و الغزل فهو شعر فصيح سهل. و يزيد بن ضبّة شاعر مكثر مطيل، روى الاصفهاني (7:103) فقال: «قال يزيد بن ضبّة ألف قصيدة، فاقتسمتها
شعراء العرب (4) و انتحلتها فدخلت في أشعارها» . و هذا يدلّ على ان الكثرة من قصائد يزيد بن ضبّة كانت بدويّة الاسلوب غريبة الألفاظ.
و مما يلفت النظر في قصائد يزيد بن ضبّة التي وصلت الينا أنّها من بحور قصار مطربة، ثم هي تحمل طابعا محدثا يجعلها كثيرة الشبه بالشعر
العبّاسي.
توفي سنة 747م.